تتمة مقال مصداقية معلومات ابن بطوطة  
 
الكنى : أبو البركات – أبو الفتح – أبو الفرج

وتحتوي اللوحة كذلك على تحلية بعض الأعلام الشخصية بكنى تبتديء بأبي كذا، وتلك عادة عربية أصيلة يقصد بها إلى تكريم الناس، وما تزال بعض الجهات في المشرق إلى اليوم ترى في منادة الإنسان باسه الشخصي قلة مروءة، فأحسن أن تناديه بأبي كذا ...

أكنيه حين أناديه لأكـرمــــه  * ولا ألقيه والسـوأة اللقـبـا 

كذلك أدبت حتى صار من خلقـي * أني رأيت ملاك الشيمة الأدبا

وقد عرفنا عن عدد من العلماء ورجال القضاء والسياسة ممن تكنوا بأبي البركات.

كما سمعنا عن طائفة من الرجال ممن كانوا يتحلون بكنية أبي الفتح وخاصة إذا سجلوا لبلادهم أو أمتهم فتحا من الفتوح كذا يكنون أبا الفرج تفاوتا بأن يتم الفرج على أيديهم ...

أما عن الألقاب التي تتكون من نعوت مضافة لكلمة الدين ... فإن القطعة الأولى من اللوحة وهي مؤرخة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة كانت تخلو تماما من مثل هذه النعوت. ومن المعروف أن ظهور مثل هذه الألقاب ارتبط أساسا بتاريخ ازدياد النفوذ الفارسي في العصر العباسي، فقد كان الفرس يعتنون بهذه الألقاب وينظمونها ويخلقون على مر الأيام ألقابا جديدة ...

وقد حاول القلقشندي تنظيم القواعد التي كانت تراعي في اختيار هذا اللقب المركب من كلمتين تضاف أولاهما لكلمة الدين ... إذ لاحظ أنه كان يتناسب مع الاسم من ناحية ونوع الوظيفة من ناحية أخرى، وكان أحيانا يتناسب مع الجنس أو الدين ... لقد كان اللقب المضاف إلى الدين يسمى عند القلقشندي : لقب التعريف !

وقد جرى العرف في كثير من الأحيان على أن يختار لقب شهاب الدين لمن اسمه أحمد ... كما جرت العادة أحيانا على إطلاق سراج الدين أو ركن الدين أو جلال الدين على من اسمه عمر ... ونور الدين لمن يحمل اسم علي إلى آخر اللائحة التي تستوعب سائر الأسماء لتعطيها الألقاب المناسبة ...

وإلى جانب هذا نجد أن بعض هذه الألقاب مثل صلاح الدين يعني أن حامله أخذ على عاتقه مدافعة الصليبيين مدافعة جدية لاقصائهم عن القدس الشريف ...

تأملات حول اللوحة

أولا : يؤخذ من شكل اللوحة، ومن الأسلوب الذي صيغت به الكلمات أن هناك – على ما قدمنا – إنشائين اثنين – أحدهما خاص بما قام به السلطان محمد بن عبد الله وأخوه سيري كلا رحمهما الله، والثاني خاص بما قام به السلطان شهاب الدين خلد الله أعماله، وقد نقش الإنسان الأول بمناسبة إعداد الجزء الثاني، وكأنما أرادت السلطات القائمة آنذاك أن لا ننسى ما قام به أسلافنا فأمرت بتخصيص الجمل الأولى برسم المؤسسين الأولين ... ومن خلال الكلمات نعرفه أن تاريخ بناء المسجد تأخر عن تاريخ إسلام السلطان وأنه أنجز أثناء السنوات الأولى من إسلامه ... وبهذا نعرف زيف ما روته نشرة المركز الوطني للبحث التاريخي واللغوي والثقافي من أن اللوحة جميعها ترجع لعهد السلطان المسلم الأول على ما قدمنا  .

ويلاحظ أن طريقة الربط بين القطعتين لا تخلو من نشاز فكلمة (فقدم) التي تربط بين القطعة الإنشائية الأولى والثانية لم يكن وقعها العربي معتادا ...

ثانيا : يلاحظ أن الخط الذي كتبت به اللوحة خط يجري على نهج الخطوط القديمة التي لم تكن تحمل – في  بعضها – نقطا ولا تحريكا خلا بعض الحروف القليلة التي كانت تحظى  بنقط أو شكل كما يلاحظ أن الخطاط لا يتردد في وضع حرف ما كيفما اتفق له قبيل أو بعيد الكلمة 

ومع هذا فقد ظللنا على شكل من بعض الكلمات المتئاكلة أو التي صادف أن كانت محل مسار أدخل فيها لثثبيتها في ناصية القبلة ...

ثالثا : يلاحظ أن الجملة التي حكى ابن بطوطة أنه تبينها في اللوحة كانت في الواقع هكذا : "أبو البركات البربري أسلم السلطان على يديه" فحولها ابن بطوطة إلى "أسلم السلطان على يد أبي البركات البربري ... فقدم آواخر !!"

فمتى نقلت هذه اللوحة من مكانها ؟

لعل من المفيد أن نتتبع التطورات التي مر بها المسجد الجامع (Tukuru Miskiy) حتى نصل إلى التاريخ الذي نقلت فيه هذه "النقيشة" من مكانها الذي كانت فيه ناصية المقصورة .

فحسب كتاب " تاريخ إسلام ديبا محل" فإن المسجد ظل على ما كان عليه منذ عمارته الثانية التي فرغ منها أيام السلطان شهاب الدين أحمد في شهر ذي الحجة 738=1338  إلى أن كانت أيام السلطان إبراهيم إسكندر بن محمد (الأيتمي) " إسكندر الأول" وهو الذي يعطيه التاريخ المحلديبي هذا اللقب الطويل :

« SIRI KALO RANMEEBA KATTIRI BAVANA NAH A RADUN »

وقد تسلطن طوال تسع وثلاثين سنة من ( ) 1058 إلى 1098 = 1648 – 1098) وكان يشرف بنفسه كذلك على الشؤون العسكرية، وفي السنة الثامنة من ولايته يعني 1066=1656، قام بهدم المسجد الجامع الذي بنا شهاب الدين، لما أنه أصبح ضيقا لا يفي بحاجة الناس وخاصة عند صلاة الجمعة، وعلاوة على أن سطحه كان بدون ألواح وكذلك جذوعه وسواريه وجدرانه ... فنقضه العادل ورفع أساسه ووسعه، وتم البناء – بالحجر المرجاني – في مكان المسجد الأول كما هو بناؤه الآن يقول تاج الدين، وقد فرغ من بنائه في غرف السنة العاشرة من دولته، وهو السنة السابعة والستون بعد تمام الألف على ما يوجد في اللوحة الفرعية السالفة الذكر.

ولما عاد من الحج سنة ثمان وسبعين وألف من الهجرة وهي السنة العشرون من ولايته، بنى مدرسة في دهليز المسجد الجامع وجعل فيها فقيها يعلم القرآن للأطفال وبدرس الفقه للمتعلمين وجعل مصروف ذلك من بيت المال ثم ابتدأ بناء المنارة، وبناها على أسلوب المنائر المكية ورتب لها مناديا للصلوات الخمس وقد فرغ من بناء المنارة في السنة السابعة والعشرين من دولته سنة خمس وثمانين وألف من الهجرة.

وتذكر النشرة التي أصدرها المركز القومي للبحث اللغوي والتاريخي أن السلطان شمس الدين إسكندر الثالث قام سنة 1322=1912 بتعويض السقف الذي كان من ألواح الخشب، تعريضه بألواح من الحديد المموج.

وفي أبريل سنة 1964 عوضت الألواح الحديدية المموجة بالألواح من الألومينيوم (ALUMINIUM) بينما أعيد تركيب السقف من الداخل بألواح من عود الساج، وهو شجر ضخم صلب الخشب... وبهذه المناسبة نقلت اللوحة الأصلية موضوع حديثنا إلى المتحف الوطني 

وفيما يتصل بالمنقوشات التي توجد بالجامع – غير اللوحة التي جعلنا حديثنا الأساس حولها – فإنها على ما تؤكده النشرة التي صدرت عن المركز القومي للبحث اللغوي والتاريخي ... تتألف من منقوشات عربية وديبية، وتذكر هذه النشرة أن المنقوشات العربية نقشها الفقيه القاضي جمال الدين بن الشيخ محمد المحلي ... وإنها عبارة عن آليات قرآنية أو أحاديث نبوية إضافة إلى بعض الأشعار التي تحمل معلومات تاريخية حول المسجد الجامع وحول بعض الحكام الذين مروا بمالديف.

وهكذا نشاهد – ونحن أمام المحراب - لوحتين منقوشتين باللغة العربية، إحداهما جعلت على يمين المحراب والثانية عن يساره، وضعتا متقابلتين هناك أثناء تشييد المسجد الجديد عام 1067=1657.

ويظهر لي أن الأمر كان يتعلق بإعداد نقيشة تتحدث عما قام به السلطان اسكندر الغازي إبراهيم من تشييد لهذا المسجد عوض جامع شهاب الدين ... فلما أعدت هذه النقيشة واختير لها المكان عن يسار المحراب، رأى الناس أن من المستحسن أن تعد نقيشة أخرى تجعل يمين المحراب، وتحتوي على نقل ما كان على الخشبة الأصلية. لكن مع التحريف والتزوير ! الذي تحدثنا عنه أنفا ...

هذا ويوجد بداخل الحجرة التي يقع فيها المحراب المنبر الذي يستعمله الإمام أيام الجمع والأعياد ... وبناية القبلة لوحة رائعة من عود، جميلة الزخرف والنقش، وقد أحيطت بأية كريمة ...

ويمكن بسهولة أن نقرأ في أعلاها تتمة الآية الشريفة التي تبتدئ على اليمين من تحت، قد نرى تقلب وجهك في السماء ... في الأعلى وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلموا أنه الحق من ربهم ...

وفي وسط هذه القطعة الخشبية الرفيعة : نقيشتان إثنتان أعلاهما كنت فيها : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الآية. بينما تضمنت القطعة السفلى نقشا تاريخيا من ثلاثة سطور ذكر في وسطها اسم السلطان اسكندر الغازي إبراهيم.

وبعد، فلقد كان قصدي من هذا الحديث إلقاء الضوء على هذه اللوحة المنقوشة التي تحمل معها حقائق تاريخية تهم دولتين اثنتين : إحداهما : في المحيط الهندي والأخرى على المحيط الأطلسي، وهي إن دلت على شيء فإنها تدل على عظمة الإسلام الذي كسر كل الحدود والسدود 

وقد قرأنا في الخطاب الرسمي الذي ألقاه  مؤخرا الرئيس مامون عبد القيوم بمناسبة العيد الوطني الثالث والعشرين، قرأنا قوله : "إن الدولة المغربية تحتل مكانا خاصا في قلوب المالديفيين، لقد وصل بلادنا داعية من تلك البلاد، كان هو الحافظ أبو بركات يوسف البربر، وعن طريقه داخل الإسلام إلى هذه الجزر وعمت رسالة الإيمان قبل خمس وثلاثين وثمانمائة سنة خلت، وإنه بفضل الرحالة المغربي ابن بطوطة الذي زار بلادنا أثناء القرن الرابع عشر أمكن إنجاز مساهمة دالة تمثلت في تقديم جزر مالديف للعالم العربي والإسلامي ...











 
     

مزيد من المعلومات
الإسم

اللقب
اتركوا رسالتكم هنا
البريد الإلكتروني
الهاتف
يرجى إدخال الرموز كما تظهر في الصورة أدناه *