أثر العولمة في استعمال اللغات الأخرى : العربية نموذجا  
 


قبل أكثر من اثنتين وعشرين سنة، وبالذات عام 1403= 1983 خصصت أكاديمية المملكة المغربية دورتها، بمدينة فاس، لمعالجة موضوع في منتهى الأهمية، له صلة وثيقة بموضوعنا اليوم. كان ذلك الموضوع طبعا بإيحاء من راعي الأكاديمية الملك الحسن الثاني، طيب الله تراه، وكان يتناول : الإمكانيات الاقتصادية والسيادة الدبلوماسية

 وما أزال اذكر أننا استمعنا إلى عروض تكاد تجمع كلها على ضرورة قبول التنازل عن بعض الالتزامات الوطنية من أجل تحقيق تعاون اقتصادي دولي، بمعنى أننا وقد أصبحنا نكون مع فرقائنا، من مختلف جهات العالم – مجموعة واحدة – لا بد إذن من أن نقبل التكييف مع المستجدات

وقد عقدت الأكاديمية عام 1997 ندوة خصصتها، وبإيحاء من راعيها رحمه الله للعولمة وأثارها، تناولت الندوة مختلف الجوانب التي تتصل بالعولمة والهوية، وهكذا استمعنا إلى عروض تتحدث عن أن الشعور بالخصوصية والهوية ضل يلازمنا منذ وجود المغرب كأمة، ولكن مع ذلك ضللنا حريصين على أن نبقى في ركب المجموعة الدولية طالما أن تلك المجموعة لا تمسنا في هويتنا وفي خصوصيتنا

 هناك قلنا : إننا نعيش اليوم أمام ظاهرة متجلية واضحة، ولقد أصبحت أوربا وخاصة في العقدين الأخيرين اللذين تطورت فيهما وسائل الاتصال، أصبحت بكامل دولها و بكل ثقلها ومعها القارة الأمريكية والقارة الآسيوية، ومنطقة الأوقيانوس، كلها تعيش معنا في داخل بيوتنا وبين أهلينا وذوينا صباح مساء، يكفي أن نضغط على زر جهاز صغير بأطراف أناملنا لنشهد ما يجري في أقصى المعمور، فهل نستطيع أن نفرق بين من يخاطبنا بلغة غير اللغة العربية، بل هل في استطاعتنا أن نقوم بأية مبادرة دون ما أن نفكر في التنازل عن بعض خصوصيتنا؟ 

والحقيقة أن الشعور بصراع اللغات يظل ظاهرة أزلية يحسها كل المهتمين بأمر اللغات، بل إن الشكوى ظهرت مقروءة عند بعض الذين ألفوا المعاجم والقواميس، ذكروا من غير أن يترددوا في القول، بأن الأعاجم أخذوا يتفاصحون بلغتهم، ويعتزون بها مما دفع العلماء العرب إلى تسجيل تلك الظاهرة منذ العصور الوسطى، وهكذا قرأنا عن أبي محمد عبد الله بن محمد الازدي العماني الصحاري المعروف بابن الذهبي، الذي أدركه أجله في بلنسية من الديار الأندلسية في جمادى الأخيرة سنة ستة وخمسين وأربعمائة (1064م)، هذا السيد الجليل الذي ظهر أنه كان تلميذا مباشرا وملازما للرئيس أبي علي ابن سينا علاوة على الجوزجاني المكنى بابي عبيد (ت 438 = 1046) والذي كان مصدر سائر أخبار الرئيس ابن سينا، هذا السيد الجليل الأزدي اكتشفنا أنه كان ألف معجما لغويا طبيا رفيع المستوى يحمل عنوانا غريبا يذكرنا في التأليف الذي نعرفه الخليل بن احمد الفراهيدي :كتاب العين

لقد اختار الأزدي لمعجمه الهام عنوان كتاب الماء  ... باعتبار أنه جامع لكل المقاصد، لغويا وطبيا وهذا الرجل هو الذي يقول في مقدمة معجمه: "إنه لما كان الغالب على أبناء صنعتنا اللحن والغلط، وقد نقشت فيهم العجمة والشطط، عزمت على أن أكتب كتابا : يجمع بين اللغة العربية والطب ... مسعفا للطبيب الراغب في تعريب لسانه ولوازم صحته وآلات مهنته ... فقد بلغنا، يقول الأزدي، عن أطباء عصرنا ومتطببيه وصيادلته وعطاريه وأهل الجراحة والتشريح والكحالين ما بلغتنا من خروجهم على لغة العرب وتفضيلهم لكلام العجم، يتمادحون بذلك فيما بينهم إظهارا لقدرة لا تستحق الإظهار، وعجمة لا تستوجب الافتخار، فجهدت جهدي أن أعيد الأعجمي إلى رسوم العرب

وإذ عرفنا عن هذا الأزدي العماني غيرته على اللغة العربية في النصف الأول من القرن الخامس، ننتقل إلى العلامة ابن منظور الإفريقي المتوفى أوائل القرن الثامن، في مقدمته لتأليفه العظيم (لسان العرب) الذي ذكر، وبدون مبالاة، في مقدمة معجمه الشهير الكبير: "أنه ألفه لما رآه في هذا الأوان من اختلاف الألسنة والألوان، حتى لقد أصبح اللحن في الكلام أمرا معهودا، وصار النطق بالعربية من المعايب معدودا، وتنافس الناس في تصنيف الترجمات في اللغة الأعجمية وتفاصحوا في غير اللغة العربية، فجمعت، يقول محمد ابن منظور هذا الكتاب في زمن أهله بغير لغته يفخرون، وصنعته كما صنع نوح الفلك وقومه منه يسخرون وسميته لسان العرب

لقد قصدت قصدا إيراد نصوص الأزدي العماني المتوفى منذ عام 456 ونصوص ابن منظور الإفريقي المتوفى عام 711، على ما قلنا وهما معا يتحدثان عن محنة اللغة العربية في زمنهما المبكر، تعمدت ذلك لأقتحم معكم موضوعي الذي يتناول محنة اللغة العربية في زمننا 

 قصدت ذلك لأركز على فكرة ما فتئت أتحسسها وأومن بها، وهي أي الفكرة، تتلخص في أن جميع المحن التي تتعرض لها اللغة العربية في العصر الحاضر، إنما يرجع سببها ليس إلى صعوبتها ولا لقصور مزعوم فيها فقد برهنت طوال العصور على أنها لغة الحياة ... لغة الحضارة، لغة العلم بشتى مناحيه. أقول إنما ترجع محنة اللغة العربية إلى هذا (التسونامي) الذي نسميه العولمة

 وأريد الجهر منذ البداية بأن الأمر لا يخص اللغة العربية وحدها ولكن بتناول مختلف اللغات الأوربية : مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية إلى أخر اللائحة الطويلة لسائر اللغات غير اللغة السائدة اليوم، والتي يهيمن خطابها - نحن نعلم - على مختلف منابر العالم

كان يمكن أن يكون عنوان هذه الورقة : أثر العولمة في استعمال اللغة الفرنسية أو الاسبانية ما دمنا نسمع ونقرأ كل مطلع شمس عن شكاوي عدد من الدول من انتكاس لغاتها الوطنية، وسوء استعمالها وقلة الوسائل البيداغوجية من أجل حمايتها وبسطها، بل وعزوف المواطنين عنها !! لو أننا قمنا بإحصاء بسيط لما يصدر من بحوث علمية في مختلف الحقول لوجدنا أن النسبة ضئيلة جدا فيما يتصل بسائر اللغات غير اللغة الأخرى ذات النفوذ خمسة إلى ثمانية في المئة مما يصدر بالعوالم الأخرى التي تتكلم الإنجليزية ... ولنفتح -مثلا- موقع كوكل  أو ياهو   فسنجد في هذه المواقع وخاصة الموقع الأول ما لا يمكن أن يتصور من معلومات قيمة بل وموجهة من الأباطرة الذين يشرفون عليها 

لهذا أعود للقول مرة أخرى بأن كل ما نشتكيه في استعمال لغتنا العربية يرجع إلى أثار العولمة فينا، العولمة وما صاحبها من إغراءات مادية، ومن رواج في السوق ومن كسب فضاءات واسعة فسيحة، بدون حساب 

إن المواطن، أي مواطن، عندما يرى أنه باختياره الثقافة الكونية يجد مكانه في الحياة، يجد صداه في المجتمع، لا بد أن يفضل أن لا يبقي بضاعة محلية محدودة الفائدة محدودة الرواج 

وليس ما أقوله مقتصرا على الخطاب بالعربي كما أشرت، ولكن الأمر كذلك في سلوكنا الاجتماعي، كل هذا أيضا أصبح متأثرا بما نراه على أرض الواقع حتى لأمسى كل تحرك في أدائنا، كل تعبير في أسلوبنا يعود إلى ما أمسينا نشعر به مما تمليه علينا العولمة !! لباسنا، حتى طريقة ترتيبنا للطعام والشراب، أفراحنا، أقراحنا 

على مدى أسبوعين كاملين، حضرت فيهما أعمال مجمع اللغة العربية، وحضرت كذلك أعمال "المجمع العلمي" الذي كان يحمل في عهد نابليون بونابارت "كوليج ديجيت" ... طوال تلك الأيام كنت أسمع عن مخاوف الناس من أن تأتي العولمة على كل ما اكتسبناه. لكن لعل من المهم جدا في هذا المقام أن أنقل إليكم أيضا أن موقف معظم المتدخلين في "مجمع الخالدين" أخد يتجه نحو التمييز بين العولمة السلبية والعولمة الإيجابية، أخذ الموقف يتجه نحو الاعتدال، إن لم أقل الاستسلام فكان من زملائنا من يقول "مرحى بالعولمة الايجابية ! ومنهم، ومعه الحق، من جرؤا على القول بأن علينا أن نقوم بمراجعة موضوعية لما نسميه تراثا حتى نبعد عنه "التراكمات" التي انضافت عليه جهلا، وأصبحت تكون عرقلة في طريق مواكبتنا للركب العالمي ! وفي أهل العلم من التفت إلى ضرورة تيسير النحو وتبسيط القواعد وتمتين المادة العلمية لتصبح اللغة العربية في متناول الناس، كل الناس، وهنا سمعنا عن أراء سواء من العرب أو المستعربين، وكل هؤلاء، كانوا غيرا على اللغة العربية لكنهم باتوا مقتنعين بأثر العولمة في كل خطوة نخطوها 

لعلنا سمعنا عن الأسطورة المطرفة التي ذكرها مولانا جلال الدين الرومي في ديوانه العظيم الذي يحمل عنوان (المثنوي) عندما تحدث عن شكوى شيخ هرم من أمراضه، لطبيب حكيم ... اشتكى الشيخ المريض من صداع رأسه ... فقال له الطبيب : إن ذلك من تقدم العمر يا سيدي  اشتكى إليه آلام ظهره ... فقال الطبيب : إن ذلك من تقدم العمر يا سيدي ...! فقال الشيخ : ولا أستطيع أن أهضم ما أكلت ! فأجاب الطبيب : إن ضعف المعدة من تقدم العمر يا سيدي! فقال الشيخ : وأشعر بضيق عندما أتنفس، فقال الطبيب : عندما يتقدم العمر تحل معه مائتا علة   !! فقال المريض : ولقد وهنت قدمي وأخذت أعجز عن السير، فقال الطبيب : وإن ذلك من تقدم العمر كما قلت لك! وهنا صاح الشيخ المريض في وجه الطبيب : ألم يعلموك من الطب إلا قولك : هذا من العمر؟! فأجابه الطبيب : وهذه الحدة أيضا من تقدم العمر يا سيدي

على قياس هذه الأسطورة، أقول : أن كل ما أصبحنا نشكوه من استعمال عربيتنا وتهديد توا بثنا وزعزعة مجتمعاتنا يرجع في معظمه إلى أغراض العولمة التي تفتح عيون المواطن على الفضاء الأوسع مساحة والأنفع فائدة، إذن المسألة مسألة ربح، مسـألة اقتصادية ! وليست مسألة عطب في لغتنا على ما قدمت، وليست مسألة شكل ولا مسألة تيسير للعربية فقط 

إن الندوة التي تعقدها الأكاديمية اليوم، في قلب هذه الحاضرة العلمية فاس، يعقد مثلها أو قريب منها في مختلف جهات المغرب : أقصاه وأوسطه وأدناه .. في أطراف العالم العربي، الكل يشعر بالخطر الذي يقترب منه 

إن المثقف أي مثقف، ولا سيما المثقف العربي يشعر بأزمة تفتعل في أعماق نفسه، أزمة تلفه وتهدد كيانه ...، اللغة لم تعد على نحو ما كانت بالأمس ... المثقف يتطلع لمن يترجم أعماله حتى تنفذ أعماله إلى السوق، وخاصة إذا ما ترجمت إلى لغة الأباطرة الذين يتحكمون في مصير العالم ! فماذا هناك ؟ وماذا علينا أن نفعل ؟

  لنتكاشف فيما بيننا في هذا اللقاء ... لقد أصبح معظم ما يروج بيننا، على الساحة الوطنية، معظمه مكتوب، وملقى، ومسموع بلغة غير العربية ... إننا لم نعد نعيش المرحلة التي كنا نسميها تنازلا عن بعض مظاهر سيادتنا من أجل مواكبة المسيرة العالمية، بل إننا أصبحنا نعيش مرحلة الهرولة من اجل أن نكون الأولين في "العولمة" ...! في يوم واحد قد تصلنا دعوات لسماع حديث أو لحضور ندوات حول موضوعات، قد لا نكون فيها بحاجة للاستعانة بمصطلح، أو للغة غير اللغة العربية، أسماؤنا الشخصية المولودة عربية تؤدى عندنا بحروف أخرى، وكأننا نعمل عمدا على كتم أنفاس هذه اللغة العربية، ونسعى إلى الإسهام في محاصرتها، وأخشى أن أذكر بان المشكل اليوم لم يعد مشكل استعمال أو بحث عن وسيلة للتيسير ولكنه مشكل أكبر من ذلك ... إنه مشكل العزوف عن استعمال اللسان العربي

 لعلنا نذكر أن الشاه رضاخان (ت 1947) كان فكر في أن يبدل الحروف العربية التي تكتب بها اللغة الفارسية، يبدلها بحروف لاتينية على نحو ما فعله مصطفى كمال أتاتورك في تركيا، وبعد أن استكمل دراسته واستمزج جميع الآراء رأى أن يستشير المستشرق الفرنسي المعروف لوي ماسينبون،  فأحضره إلى تهران وقال له : أرجو أن تقضي لك بعض الأيام على شاطئ بحر قزوين، تأخذ فيها راحتك لأستشيرك في أمر يهم البلاد، لكن البروفسور استعجل الشاه ليعرف ماذا يقصد، حتى يتأمل الموضوع، وهنا فاتحه الشاه، بما كان يريد فحذره البروفيسور ماسينبون، منبها له إلى جمال الحرف العربي ... ولما اشتكى له الشاه ما يوجد بصحبة الحروف من نقاط وأشكال، أجابه ماسينبون بأن ذلك أيضا من الجمال الذي لا يحظى به الحرف اللاتيني

أعدت هذا إلى الأذهان للتأكيد على أن لغتنا العربية لا يعوقها شيء، وأنها تحظى بكل عناصر القوة ولنا في القرون الماضية شهادة صادقة غير مجاملة ولا كاذبة

ولا أريد أن يفهم من كلامنا هذا أننا نعادي أية لغة من اللغات فنحن من اللذين يؤمنون بالتعدد اللغوي باعتباره ظاهرة كونية، إن "من لم يعرف من اللغات إلا لغته فقد جهل حتى لغته" كما يقول كوث.

إن الذي نهدف إليه : أن يكون للغة العربية نصيبها في حياتنا اليومية ... لا سيما من أبنائها الذين نتطلع لإبلاغ رسالتهم إلى إخوانهم ومواطنيهم ... إن ما لا يفهم ولا يمكن أن يفهم هو أن نتحدث بعضنا بعضا في موضوع لا يحتاج فيه التبليغ إلى استعمال لغة أخرى غير اللغة الدستور

مرة أخرى أؤكد أننا لسنا ضد تلقي اللغات الأخرى والانفتاح على الحضارات الأخرى ... ولكن الذي نريده أن لا يكون خطابنا المتداول على حساب لغتنا الوطنية التي اعتبرها دوما بمثابة الشوك الذي يحمي القنفذ، الشوك الذي يعطي للقنفذ هويته، ومتى ما تنازل القنفذ عن ذلك الشوك أصبح فأرة كبيرة 

في الدوريات التي تتناول قضايانا الوطنية اليومية من التي تهم أبناء شعبنا أولا وبالذات لا نعرف الحقائق إلا عن طريق اللغة الأخرى، ولا اعتقد أن هناك ما يبرر عدم تعريب المعلومات للذين يفهمون العربية ... لا سيما وقد أصبحنا نتوفر، والحمد لله، على فاعلين وفاعلات ممن يحسنون الأداء باللسان العربي، لا سيما أيضا ونحن نرى أن بعض المجلات الأجنبية أصبحت تقوم بتعريب مادتها لتقدمها إلى قرائنا بلغتهم في محاولة للاقتراب منا. رجاؤنا ألا يكون زملاؤنا عونا للعولمة على حساب لغتنا، إننا مدعوون جميعا إلى الأخذ بميزان العدل والاعتدال 

وفي خطوة صادقة حاولت أن أجد تفسيرا لظاهرة عزوف بعض المواطنين عن استعمال اللغة العربية، هل أن ذلك يرجع لأسباب تتصل بالكتاب المدرسي ؟ ترجع لكفاءة الأستاذ الذي يلقن اللغة ؟ ترجع لخلل في الامتحانات التي لم تبرح مكانها منذ أن عرفناها ؟ 

إن أخطر ما نواجهه اليوم، هو ذلك "العزوف" الذي يعني أن هناك دواعي وأسبابا عميقة للجوء إليه ... إنه ظاهرة خطيرة تعني بكل بساطة ابتعاد المواطن عن بيئته وتراثه، لم يسعى أولياؤنا إلى الالتحاق بالجهات الأخرى ؟

علينا، لكي نقاوم هذه الظاهرة، ظاهرة العزوف، علينا أن نتعرف بصدق عن الأسباب العميقة له، وهل إنه يعود إلى خلل في حسن الأداء ؟ في المواد التي نلقنها لأبنائنا في المدرسة الأولى أو خلل في الكتاب على ما قدمنا ... أسئلة تحتاج إلى جواب حتى نعرف عن مبررات              

أريد القول : إننا في الوقت الذي نحمل فيه العولمة اليوم مسؤولية العزوف عن استعمال اللغة العربية، علينا نحن، في نقد ذاتي هادف صادق، أن نحاسب أنفسنا فيما يتصل بحسن الأداء في المؤسسات المنافسة ... إن كل إخلال بالمستوى المطلوب من شأنه أن يدفع بالناس إلى تفضيل الطريق الأكثر فائدة، الأكثر نفعا، الأكثر رواجا ... الطريق التي تزودنا بالمواطن الذي يصلح للبلاد والعباد 

 لقد ذكرني المشهد اليوم بما عشته قبل أكثر من ثمانية وخمسين عاما، يوم كانت "عولمة" من نوع آخر محدود، تستهدف ثوابتنا 

يوم كانت المدرسة الفرنسية تنافس المدرسة الوطنية ... إنه حديث ما كان لي أن أذكره لولا مرور الفترة التي تسوغ لي البوح بما حصل، لا سيما ومعظم الفاعلين صاروا إلى عفو الله 

تطوعت أن أكون أستاذا خاصا في العربية للطفلة ليلى كريمة الأستاذ علال الفاسي رحمه الله وكانت هي تتعلم بالمدرسة الفرنسية أم البنين، وكان الأستاذ يستبقيني، بين الفترة والأخرى، لأحضر معه مجالس كان يعقدها في بيته بدرب الميتر بالطالعة 

حضرت ذات مساء كان هو ليلة الأحد 6 أبريل 1947 وكان عنده الطبيب الشهير آنذاك، المنصوري من أصل جزائري، وكذا صهره الدكتور الفاطمي الفاسي والأستاذ ابن سالم المدرس بثانوية مولاي ادريس

ولا أدري كيف ترامى الحديث إلى ما تعانيه اللغة العربية في المؤسسات التعليمية، كل يقول ما عنده، على نحو ما نتجاذب الحديث اليوم، وحانت الفرصة للأستاذ علال الفاسي ليقول لي: إن الأستاذ الإدريسي – وهو مدير لمدرسة حرة - بفرن شطة، أبلغه بأنني أخرجت ابن أختي (عبده) من مدرسته وقصدت به المدرسة الفرنسية بعقبة الفيران ! سألني السيد علال رحمه الله : لم قمت بهذا الصنيع ...؟! وهنا صارحته بأن الأداء في المدرسة الأخرى كان أحسن فإني مرتاح من نتائج أخي الصغير حكم بهذه المدرسة، علاوة على ما حكيته عن الظروف الصحية التي كانت تختلف ... وأسرع الدكتور الفاطمي ليعطيني الحق في ما ذهبت إليه وأيده الأستاذ ابن سالم ... وكان الحديث طويلا حول ما يجب أن يكون ... وأذكر جيدا أن الحديث انتهى إلى أنه لا طريق لمقاومة الزحف إلا بأن نحمي البيت بنفس التحصينات التي يمتلكها الغير، وذلك ما أردت أن أكرر قوله اليوم





 
     

مزيد من المعلومات
الإسم

اللقب
اتركوا رسالتكم هنا
البريد الإلكتروني
الهاتف
يرجى إدخال الرموز كما تظهر في الصورة أدناه *